الصفات والأخلاق للرسول صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله ﷺ يمتاز بجمال الخلق وكمال الأخلاق، وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة وجليلة، نلخص هنا معانيها ومغزاها بالإيجاز .
الوجه وما بالوجه :
كان وجه رسول الله ﷺ أبيض مليحاً ، ومستديراً، أزهر اللون مشرباً بالحمرة، يتلألأ تلألؤ القمر ليلة البدر ، وكان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر ، وتبرق أساريره كما يبرق السحاب المتهلل ، كأن الشمس تجري فيه، بل لو رأيته رأيت الشمس طالعة ، أما عرقه في وجهه فكأنه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر ، وإذا غضب احمر وجهه حتى كأنما فقىء في وجنتيه حب الرمان .
وكان سهل الخدين، واسع الجبين، متقوس الحاجبين، سابغهما مع الدقة ، غير مقترنين ، وقيل كان مقرون الحاجبين واسع العينين ، مشرباً بياضهما بحمرة، مع شدة سواد الحدقة ، أهدب الأشفار ، أي كثير شعر الأجفان مع طوله ، إذا نظرت قلت :
أكحل العينين، وليس بأكحل . وكان أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسه من لم يتأمله أشم، تام الأذنين، حسن الفم وكبيره، أفلج الثنيتين، منفصل الأسنان، براق الثنايا ، إذا تبسم تبدو أسنانه كأنها حب الغمام . وكان فيها شنب، أي نوع من اللمعان، فإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، وكان من أحسن الناس ثغراً. وكانت لحيته حسنه كثة ، ممتلئة من الصدغ إلى الصدغ ، تملأ النحر ، شديدة السواد، وكان في الصدغين والعنفقة شيء من البياض ، شعرات معدودة فقط .
الرأس والعنق والشعر :
وكان ضخم الهامة، كبير الرأس ، طويل العنق ، كأنه إبريق فضة ، أو جيد دمية ، له وفرة تبلغ إلى أنصاف الأذنين ، أو شحمتي الأذنين ، وربما أسفل من ذلك، وربما تضرب المنكبين ، وكان في شعر ناصيته أيضاً بعض البياض، ولكن قليلا جداً بحيث لم يبلغ مجموع ما في رأسه ولحيته من البياض عشرين شعرة، وكان في رأسه شيء من الجعودة، أي التواء خفيف، وكان يرجل رأسه ولحيته غبا، ويفرق من وسط الرأس .
الأطراف والأعضاء :
ركان عظيم رؤوس العظام، كالمرفقين والكتفين والركبتين طويل الزندين، عظيم الساعدين، رحب الكفين والقدمين، ليس لهما أخمص ، ناعم اليدين ، فقد كاننا ألين من الحرير والدبياج وأبرد من الثلج، وأطيب من رائحة المسك، وكان فيغم العضدين والذراعين والأسافل ، خفيف العقيين والساقين، بعيد ما بين المنكبين سائل الأطراف، عريض الصدر، أجرد عن الشعر، فكان من ليته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ولم يكن في بطنه ولا صدره شعر غيره، وكان أشعر الذراعين والمنكبين سواء البطن والصدر، في إبطيه عفرة، أما ظهره فكأنه سبيكة قضية .
القد والجسد :
وكان حسن القد، معتدل القامة، سبط القصب، لا قصيراً متردداً، ولا طويلا بالناً، ولكن كان أقرب إلى الطول، فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله هو ، وكان معتدل الجسد، متماسك البدن، لا سميناً بدناً، ولا هزيلا ناحلا ، بل غصناً بل غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدا.
وكان لجسده وعرقه وأعضائه الريح أطيب من كل طيب قال أنس رضي الله عنه : ما شممت عنبراً قط ، ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله ، وقال جابر : لم يكن النبي ﷺ يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه، من طيبه، وكان يصافح الرجل فيظل يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها ، وحفظت أم سليم عرقه في قارورة لتجعله في طيبها ، لأنه أطيب الطيب .
صفة المشي :
وكان صلى الله عليه وسلم سريع المشي ، يمشي مشي السوقى ، ليس بالعاجز ولا الكسلان ، لم يكن يلحقه أحد ، قال أبو هريرة : ما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله ، كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث .
وكان إذا وطيء بقدمه وطيء بكلها، ليس لها أخمص ، وإذا التفت التفت جميعاً، فإذا أقبل أقبل جميعاً، وإذا أدبر أدبر جميعاً ، وإذا زال زال قلعاً، فإذا مشى كأنه ينحط من صبب ، أي يتحدر من مكان مرتفع ، وكان يخطو تكفئاً ويمشي هوناً .
الصوت والكلام :
وكان في صوته بحة يسيرة، وكان حلو المنطق وقوراً ، فإذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلم علاه البهاء، أما نطقه فكان كخزرات نظمن يتحدرن، وكان يفتتح الكلام ويختمه بأطرافه ، ويتكلم بكلام فصل ، لا فضول فيه ولا تقصير ، يتبين كل حرف منه، وكان فصيحاً بليغاً، سلس الطبع، ناصع الكلمات، لا يجاريه أحد مهما كان فصيحاً أو بليغاً، وكان قد أوتي جواما الكلم مع الحكمة وفصل الخطاب .
نبذة من أخلاقه ﷺ :
وكان دائم البشر سهل الخلق، ليس بفظ ولا غليظ ولا صحاب في الأسواق، وكان أكثر الناس تبسماً، وأبعد الناس غضباً، وأسرعهم رضاء ، يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً وكان أبعد الناس منه ، لم ينتقم لنفسه قط ، وإنما كان ينتقم الله إذا انتهكت محارمه .
وكان أجود الناس وأكرمهم وأشجعهم وأجلدهم، وأصبرهم على الأذى، وأوقرهم، وأشدهم حياء، إذا كره شيئاً عرف في وجهه ، لم يكن يثبت نظره في وجه أحد، ولا يواجه أحداً بمكروه. وكان أعدل الناس، وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، سمي بالأمين قبل النبوة، وكان أشد الناس تواضعاً وأبعدهم عن الكبر، وأوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم وأعظمهم شفقة ورحمة، وأحسنهم عشرة وأدباً، وأبسطهم خلقاً، وأبعدهم عن الفحش والتفحش، واللعن، يشهد الجنائز، ويجالس الفقراء والمساكين، ويجيب دعوة العبيد، ولا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، يخدم من خدمه ، ولم يعاتب خادمه حتى لم يقل له أف قط . هذا، ولا يمكن إحاطة أوصافه بالبيان ، فنكتفي بهذا القدر القليل، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا هذه البضاعة المزجاة، ويوفقنا لاتباع سبيل سيد المرسلين وإمام الأنبياء والمتقين محمد خير الخليقة أجمعين . اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة المكرمين، واجعلنا تحت لوائه يوم الدین. آمین یا رب العالمين .